عندما يبحث المرء في الأدبيات عن تعريف “التحيز المعرفي” يجد غالبًا تعريفا من قبيل “نمط من الانحراف في اتخاذ الأحكام، يحدث في حالات معينة، ويؤدي إلى تشويه الإدراك الحسي أو حكم غير دقيق أو تفسير غير منطقي، أو ما يسمى عموماً لاعقلانية”. وهذا في الحقيقة ليس تعريفا للتحيز المعرفي بقدر ما يعرِّف الانحياز الإدراكي.

فالتحيز المعرفي يتعلق أساسًا بنظرية المعرفة، ويمس أنماط إنتاج المعرفة ونقدها ومصادرها وأسئلتها الكبرى. إذ لا يمكن تناول التحيز المعرفي دون التعامل مع خلفيات التحيز الثقافية والحضارية والتاريخية التي تكوّن فيها وتراكم من خلالها “معرفيًا”. وربما ينبغي هنا التساؤل: هل هذا التحيز حالة “معرفية” أصلا أم هو تحيز أيديولوجي أو إثني أو عنصري أو ديني أو ضلال منهجي وفلسفي؟!

وسنجد في الأدبيات أنماطًا للانحياز والتحيز أو مصادره وخلفياته مثل: القناعات المستقرة، الإطار أو السياق الحاكم (ديني، علماني، مادي، ميكيافيلي، دارويني، نيتشوي)، الفهم السطحي، المنهج الوصفي، الإدراك المتأخر، اختلال تقدير أهمية المعلومات المتاحة، الاستقراء الجزئي، تحيز للجديد دون القديم، الإفراط في الثقة، الحكمة التقليدية، تعارض الأدوات مع الموضوع (معالجة الغيب والإلهيات بعلوم الفيزياء مثلا) وتحيز التخصص أو الصنعة..

وتبدو هذه الأنماط من الانحياز نتائج فرعية أو تداعيات ثانوية لانحرافات أصلية في جذور المعتقدات والأفكار ونظرية المعرفة الحاكمة لأنماط التفكير والاستقراء والاستنباط والترجيح.